[نبيله أبو خضره]

أمي الحبيبة

أقسمت أن أروي

أقسمت أن أروي ..وأحدث عن أجّلِ وأقدس امرأة
تذوقت الحياة منها ...
تعلمت الحياة منها ...
وتألمت في الحياة لفقدها ...
أقسم أن ما في الكون حضن كحضنها ...
يوم ضمتنا أيتاما تسعة ، غدرت بنا الأيام ، وانقلبت بنا الأحوال .. من سعة القصور إلى بيت أشبه بالقبور ...

عميت عين عرفت امي و لم تبكِ أمي ،، شلت اليد التي غشَت بعلاج أمي،
ماتت نفس ظلمت أمي....

اليوم علمت معنى أن تموت الحياة ...
اليوم علمت معنى أن نحيا بلا حياة ...
فقدت أمي ففقدنا الحياة ..

أمي أنت يا صمام الأمان ... أين أنت فقد جار علينا الزمان ... أين أنت وقلبي متقطع ولهان ..
ويح من لديه أم ليس بحنون .. ويح من لديه أم وليس برحيم .. خاب وخسر من لديه أم ولم يبرها ..
ويل لكل من عق والديه ..
ومسكين من أفاق بعد فوات الأوان ...
أعذريني يا أمي فهل فات الأوان .. ويلي ، واحسرتاه ، ويحي ،وا أماه ..ليتني مت قبلك ، ليتني ما رأيت يوما دمعتك ..
جرحني والله موتك ولم أشعر ، آلمني والله فراقك ولم أدرك ..
اليوم ياحياتي ، يا نفسي وراحتي أشعر بفراقك ..
آلمني جسدي ، تجرحني روحي لبعدك .. آنستينا يوم فارقنا الجميع ، نتحلق حولك كفراخ جياع نتطلع ليدك .. نتلمس دفء راحتك ،،تخبئين دمعتك وجوعك كي لا نبكي .. تكافحين الألم والظلم وتكتمين في صدرك ، كي لانشعر ،،تواسين فقرنا بذكريات يوم كنا أغنياء .. تواسين يتمنا بذكريات أب رحيم .. تهدهدين مشاعرنا بأقارب طيبين،،، وما كانوا!
تهوّنين علينا شظف وقسوة بيت تحت الأرض ، بلا طلاء ورطوبة عالية ... وأنت من كانت تعيش في بيت فسيح رحب...
لست أدري كيف يا أمي تستحملين ؟
ظلم وفقر ويتم .. كيف تتأقلمين ؟

تنسجين يا أمي من حكاياتك ألف ألف دمعة ، وتخفينها خلف الظلام الدامس في بيت ممتلئ بالخوف من الغد .. أدرك تماما كم كافحت لتحافظي علينا ..
أعلم يا أمي كم شقيت ، وكم تعبت ، كي تنسينا مرارة الجوع ، والخوف والغربة واليتم ، كي لا ننكسر ...
ما أمرّها من أيام وسنين ، وما أقساها من لحظات تمر عليّ لفراقك .. لم أدرك يوما
أنك ستموتين ، وسيموت بموتك اجتماعنا .. ويتفرق لفراقك شملنا ..

عساك تنعمين اليوم بالهدوء والسكينة التي حرمتها يوم تركك أبي وتسع فراخ حولك
ما كللت ولا مللت ولا تنازلت ورحلت وتركتنا للضياع وأنت الشابة اليافعة!
لم تتخلي عن مسؤولياتك يوم تخلى الأخوة عن أبناء أخيهم.. يا للعار ممن ادعوا العصبة والعمومة وهم أبعد الناس عنها.. يا للعار لمن عامل أبناء أخيه كالأيتام على مائدة اللئام...
عار وألف ألف عار... لكل من عاداك يا أمي... كم وصلت وقاطعوك...
كم عفوت وعاودك...
واليوم ترتاحين وبسلام ترقدين...
ولن يخيب الله عز وجل من على أيتام سهرت وكفلت
ولنبيها عليه الصلاة والسلام رافقت.
سلام عليك في الخالدين
يا أمي مريم جمال سعيد شاهين.
بقلم د. عمر عكاشة